السبت، 3 يوليو 2010

مذكرات الأطفال الكبار

فاتحة:

إضافة وصلة جديدة في مدونتي تحمل عنوان (مذكرات الأطفال الكبار ) جاءتني هدية من شاعر (وما أحلى هدايا الشعراء عندما أظفر بها) الفكرة اقترحها علي الشاعر الدكتور/ هلال الحجري إثر إطلاعه على محتويات مدونتي ، وإنني أقدم له أسمى وأبهى أزاهير الشكر والتقدير على فكرته الشاعرية.. تقوم الفكرة على استضافة شخصية أدبية أو غير أدبية تحكي مقطع من ذكرياتها ومذكراتها..

وإكمالا لمبادرته الراقية أقصد الدكتور هلال زودني بمقاطع من سيرة طفولته أتشرف بنشرها لتكون فاتحة فيض من ذكريات أطفال عمان الكبار..

(حصريا على مدونتي اقرأ مقاطع من سيرة الشاعر الدكتور/ هلال الحجري)

"طفولتي الأولى الحقيقية كانت رائعة، تشكلت في فضاء من الحرية لا أملكها في طفولتي المتأخرة! طفولة ما كانت تعني أكثر من اللعب منذ بزوغ الفجر في القرية حتى مأوى الطيور إلى أعشاشها.

كنت و أترابي في تلك المرحلة نهيمن على معاهد الفرح بكل ألوانها...

نتسابق على جذوع النخل صعودا إلى القمم...

نهوي بدراجاتنا الهوائية عبر المنحدرات السحيقة...

نغوص في الأفلاج تحديا بطول الأنفاس...

نتزحلق على الرمال بصدورنا العارية...

نخطف الزغاليل من أوكارها في الخرائب و القلاع...

نصطاد الجراد على مواقد النيران...

نتسلق أشجار المانجو في حَمّارة القيظ...

نمتطي الحمير الضالة تحت وهج الظهيرة...

نقتحم السواقي ساعة القيلولة...

نتربص بغزلان الفلاة يوم يردن الأفلاج في الصيف...

نتضارب بالعصي ثم نلعب بالنرد...

نلعب كرة القدم حفاة حتى تتشقق أقدامنا...

نسرق الُّلعَب من الباعة في الأعياد...

نبالغ في تزيين دراجاتنا كي يكتريها أطفال الصحراء...

نتعلق بالجرافات وهي ترصف شوارع القرية...

نجمع قطع غيار السيارات التالفة لنكون منها لعبا غريبة..

كل هذه الطفولة المزنرة بالفرح، عشتها بجنونها، و يقينها، ببراءتها و خبثها، بضحكها وبكائها، برخائها و حرمانها، بحزمها و انفلاتها، و لكنها لم تكن يوما طفولة وحيدة و عزلاء..بل كانت مدججة بالأصدقاء و الأتراب! فتحت عيني على الحياة في قرية الواصل، و هي ضلع في خاصرة الربع الخالي، حيث رمال الشرقية تشكل امتدادا وجوديا لهذا القفر اليباب. و مع ذلك، تتعانق في هذه القرية ألوان الجغرافيا بشكل غرائبي مدهش؛ الذهبي، و الأخضر، و الرمادي، و الأبيض، ممثلة الرمال، و النخيل، و الجبال، و المدر.

و كنت في خطوات الصبا أذرع هذه الألوان بحرية مطلقة. و لا أستطيع الآن أن أجزم بأن واحدا منها دون الآخر كان له التأثير الأعظم على تجربتي الشعرية. صحيح أن الصحراء حاضرة بقوة في بعض القصائد. و صحيح أني في طفولتي تقلبت على الكثبان و ملأت جيوبي بالرمل.

و صحيح أني على مستوى الاهتمام والبحث أنحاز إلى الصحراء بثيماتها المختلفة، و قد قمت بترجمة نصوص عديدة من الأدب الإنجليزي تمس الربع الخالي خصوصا على مستوى الشعر، و الرواية، و أدب الرحلات. و صحيح أيضا أني أشعر الآن في هذه المرحلة بضرورة إغراق الكون في عباب الربع الخالي لتطهيره من الأحقاد و الصراعات.

و لكن مع ذلك، تدهشني أيضا جبال عمان بألوانها و تكويناتها المختلفة، خاصة الجبل الأخضر، بسحره، و مغيباته، و عنفوانه، و بنت كرومه، و تاريخه، ورعيانه. و أرى أن هذه الجبال العظيمة تحفظ للمكان توازنه، و أشعر أن العمانيين يستمدون خلودهم و ثباتهم منها.

حين أنظر إلى جبل في عمان، يغمرني إحساس بالسمو، و الأمن، و الهيبة. و في لحظات ما كنت أتخيل أن هذه الجبال كانت في الأزمان السحيقة غذاء للنسور، تنقبها من قممها، و لذلك جاءت مقطمة من أطرافها كقطع من الكعك!

إذن لم تكن الصحراء وحدها التي لونت مخيلتي، و إنما ساهمت الجبال، و النخيل، أيضا في نحتها و تلوينها. "